إن جانبي الإفراط و التفريط فيما كانت تعيشه الأمة الإسلامية من تحولات في تاريخها أدى إلى أن تكون هذه الأمة رهينة للشرق تارة، و للغرب طوراً، رغم أن الإسلام ينطوي على كثير من الآيات التي تتعلق بشؤون المجتمع و الدولة، و من جملة ما لاحظه الإمام الراحل، و شكا منه هو تجزئة المعنى الديني و الإقتصار به على الحالة الفردية دون حالة الأمة، و على العرفان والتهذيب النفسي، و الشهود القلبي دون أدنى إنعكاس إجتماعي أو سياسي، و هذا من المبتليات التي أسقطت الأمة ردحاً طويلاً من الزمن، و جعلت الإسلام غريباً في حياة الأمة، يقول الإمام الخميني قده في وصف حالة الإفراط و التفريطفي الإعتبارات المعنوية و السياسية:
" إن هناك طائفتين، الأولى إلتزمت جانب الأمور المعنوية و تخلفت عن النواجي الاجتماعية، و الثانية تشبثت بالمجتمع و انكبت على علم الإجتماع و السياسة و تركت الحالة المعنوية بالكامل، و هاتان الطائفتان لم تعرفا الإسلام كما هو حقاً.
و إن الخبير الحقيقي بالإسلام هو الذي يجكع كلا الأمرين المعنوي و الظاهري للإسلام.
و إن على من يريد أن يعرف الإسلام أن يعرفه بهذا الشكل، فيعمل بالآيات و الأحكام الواردة بشأن النواحي المادية، ويعمل كذلك بالآيات و الأحكام التي جاءت لتنظيم أمور المجتمع و تدبير شؤونه السياسية و الحكومية.
و ختاماً نقول:
لقد توحدت الرؤية في فكر الإمام الراحل قده و هذه الرؤية التي تظهر وحدة الدين و السياسة فيما يتعلق بإصلاح المجتمع و الدولة، فلا فصل بين الدين و السياسة و لا بين السياسة و العرفان في فكر رؤية الإمام قده .
لأن الدين هدف إلى إصلاح و تغيير حال الإنسان في إجتماعه و سياسته، بل في مجتمعه و دولته، باعتبار أن الدين هو منهج و طريقة قويمة يهتدي من خلاله الإنسان إلى التي هي أقوم و إلى ما فيه الخير و الصلاح في جوانب الحياة كافة.
اذا كان الدين في حياة الإنسان يشكل منهجاً و طريقة حياة فيما ينطوي عبيه من عقيدة و شريعة و نظام حكم، فإن السياسة في فكر الإمام تشكل الرؤية العمبية في تطبيق و ترجكة إلتزامات الإنسان في شؤون الحياة المختلفة على إعتبار أن ما قرره القرآن الكريم و سنة الرسول الأكرم ص من احكام في شؤون الحكم و السياسة يربو على ما قرره في الشؤون الأخرى، بل إن الكثير من الأحكام العباية في الإسلام هي عبادية سياسية أدت الغفلة عنها إلى كل هذه المآسي.
و إنطلاقاً من هذه الرؤية _ الحقيقة يرى الإمام الخميني قده أن السياسة ليست رؤية أو فكرة مستقلة عن عالم المعنى، و عما قرره القرآن الكريم لتأسيس حكومة العدل في الأرض، و إنما هي ذات معنى إصلاحي في إطار الرؤية الدينية الشاملة للإصلاح في الأرض، وقد قيل في تعريف السياسة بأنها تعني القيام على الشيء بما يصلحه، أو القيام بالأمر بما يصلحه والمعنى هنا هو أمر الناس فيما يعو إلى شؤونهم الدنيوية و الأخروية.
فالقيام بالأمر بما يصلح الحال و المآل، قيام مؤداه أن يتحول الإنسان من كونه سائساً لنفسه التي هي أقرب الأشياء إليه _ بما هي نفس قاعدة للإصلاح_ ليكون سائساً عاماً في مجتمع الدولة، بحيث يتجاوز الإنسان البعد المادي للسياسة إلى سائر الأبعاد الأخرى في حياته، و هذا ما يجعل السياسة فعلاً إصلاحياً و هنا يكمن جوهر السياسة في فهم و فكر الإمام الراحل قده ، الذي يرى السياسة على أنها فعل إصلاح و ليست مجرد فن لحكم الدولة و المجتمع كما هو شأن السياسة في المجتمعات الغربية، فلم يقتصر الإمام في تعريفه للسياسة على معناها المجرد في دائرة التنظيم و التدبير، بل تجاوز ذلك إلى إعتبارها فعلاً إصلاحياً أول من قام به الأنبياء و الأولياء إنطلاقاً من رؤية الدين لحقيقة الإنسان و دوره و وظيفته في الحياة باعتباره كائناً سياسياً تشكل وعيه في ضوء فعل النبوة و منهجها في التغيير الشامل.
فالإمام الخميني قده تمثل التجربة النبوية في حركته السياسية، باعتبار أن الأنبياء و الأولياء هم ساسة العباد و البلاد و كونهم كذلك، فإن فعلهم السياسي لم يكن مرتكزاً إلى رؤية خاصة في حياة البشر، و إنما لاحظو حقيقة الهدف الذي استخلف الإنسان من أجله في الأرض، و قدموا الرؤية المتكاملة عن طبيعة المسعى الإنساني في حركته من أجل التكامل.
و هذا ماعبر عنه الأنبياء و الأولياء في كلامهم عن الإصلاح و الرؤية الشاملة للحياة الإنساينة بكل ابعادها
و قد تجلي هذا الفعل في قوله تعالى: " إن أري إلا الإصلاح ما أستطعت وما توفيقي إلا بالله"
كما تجلى في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: " اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان و لا إلتماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك و نظهر الإصلاح في بلاك فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك "
و كذلك تجلى هذا الفعل في قول الإمام الحسين ع :
" إني لم أخرج أشراً و لا بطراً إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي ص أريد أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر "
فالإصلاح في التجربة الإسلامية للأنبياء و الأولياء هو عمل ديني سياسي عبادي هادف إلى إكمال النفوس البشرية و إخراجها من الظلمات إلى النور، و من الجهل إلى العلم، و من الفطرة إلى البرهان، و من البرهان إلى العرفان على خط متواصل تابعه الإمام الخميني قدس سره و هو كان و لا يزال سبباً في إنتصار الثورة الإسلامية.