من الصعب الاجابة على ذلك التساؤل بإيجاز؛ وكشف خفايا الامور؛ وليس من السهل على المحلل ان يقرأ الاحداث عن بعدِ وماالت اليه؛ و من العسير معرفة العلاقة بين الامام الخميني والنظام العراقي السابق او البائد في ظل جو مشحون بالكراهية والعداء والاحتراب بعد قيام الجمهورية الايرانية الاسلامية في ايران. لم يكن مجيئ الامام الخميني الى النجف الاشرف حدثا سابقا من نوعه؛ بيد ان حركة المشروطية والمستبدة او ( الديمقراطية والمستبدة لمفهوم اليوم) عام 1906 ولدت في النجف الاشرف وترعرعت في ايران أّبان الحكم القاجاري فزعزعت كرسي الحكم؛ ثم تلتها بعد ذلك الحرب العالمية الاولى؛ فجاءت فتوى الامام الشيرازي لتبعثر بنود إتفاقية عام 1919. وبالطبع ان وسائل الاعلام قد اخطأت خطأ جسيم في ما يخص علاقة الامام الخميني مع السلطات النظام العراقي البائد وفضلها عليه بإيوايه.
لقد اخطأ الحكم الثنائي (البكر-صدام) بعد إستلام السلطة في العراق منذ اللحظة الاولى بتصعيد الحملات الاعلامية ضد الشاه والاستهانة بقدرات إيران؛ والتي إنتهت باتفاقية 1975 والاذعان لمطالب الشاه. وكما ان صدام حسين أخطأ مرة أخرى بالاستهانة بقوة علماء المسلمين الشيعة في تغيير حكم الشاه في ايران.
ان من عاش دقائق الاحداث في تلك الفترة يرى ان الامام الخميني لم يكن معصوب العينين في النجف الاشرف وعما يجري في العراق وما تعرضت له الحوزات العلمية وهي المدارس الدينية وان كتابات فاضل البراك مدير الامن العام تكشف تلك الحملة الطائفية على المسلمين الشيعة في العالم؛ واعدام العلماء الاعلام من ال شبر وغيرهم؛ وترحيل طلبة الحوزات العلمية خارج العراق.
و من الجدير بالذكر انه بعد قيام انتفاضة صفر عام 1977 بعث الامام الخميني الى البكر برقية استنكر فيها وشجب عقوبتي الاعدام والسجن المؤبد بحق المنتفضين؛ وكان الشهيد الامام محمد باقر الحكيم احد الذين واجه عقوبة السجن المؤبد ويعتقد خصوم الحكيم ان صدام اخطأ خطاءاً اخر بعدم اعدام الحكيم ولاسيما ان الوثائق الايرانية التي سرقتها الاستخبارات العراقية؛ ذكرت ان الحكيم كان رابع شخصية قيادية في الحرب العراقية الايرانية.
لم تكن اتفاقية الجزائر لعام 1975 هي التي اخرجت الامام الخميني من العراق إذ قال صدام حسين في حينها: ان شاه ايران طلب من الحكومة العراقية تسليم الخميني ولكننا رفضنا... الخ. ولاريب ان السر الحقيقي لترحيل الامام الخميني الى خارج العراق كان نشاطه الذي يتعارض مع مفاهيم حزب البعث العراقي؛ فبعد اعدام الشيخ السماوي ومجموعة اخرى من العلماء الاعلام؛ وزعت منشورات في النجف الاشرف تحرض الناس ضد الساطة وكانت موقعة بإسم الحركة الاسلامية. وكانت الوثائق الرسمية العراقية تقول ان صادق محمد باقر الحكيم احد الناشطين الاسلاميين يقوم بذلك. ومن اخر بدأت علاقة الثورة الاسلامية الايرانية ومنظمة التحرير الفلسطينية في النجف الاشرف بالذات.
وقد كتب صباح سلمان المستشار الصحافي لصدام حسين في جريدة الثورة الناطقة بلسان حزب البعث العراقي اثناء الحرب العراقية الايرانية مقالا معززا بالارقام والوثائق الصادرة عن ديوان رئاسة الجمهورية (ان الحكومة العراقية احبطت محاولات السافاك العديدة لاغتيال الخميني في العراق...) غير ان الحقيقة خلاف ذلك فقد جاء في ملفات المخابرات العراقية تعاونها مع السافاك باغتيال نجل الامام الخميني الاكبر بعد دس السم له؛ ولكني لم اقرآ في ذلك التقرير ان لله جند من العسل. وورد في تقرير المخابرات العراقية ايضا انه كان كاتم اسراره ومؤتمنه الشخصي .
عانى الامام الخميني معانات كبيرة في النجف الاشرف إذ رصدت جميع حركاته وسكناته. ويقول احد تقارير المخابرات العراقية ان علاقة الخميني ظلت مستمرة من باريس مع اية الله محمدباقر الصدر عبر احد الوكلاء في الكويت.
كان الباص الاخير الذي اخرج الامام الخميني من النجف الاشرف تقوده زوجة الشاه. حيث جاءت الى العراق محملة بتقارير السافاك الى الحكومة العراقية تحت ذريعة زيارة العتبات المقدسة وقابلت الامام ابي القاسم الخوئي وطلبت منه الوساطة وفتح قنوات الحوار مع الامام الخميني غير ان الوساطة لم تتم؛ وكما ان زوجة الشاه لم تفلح بثني الامام الخميني و عادت من حيث اتت ولم تمض اسابيع حتى ركب الامام الخميني قافلة الترحيل.
اسهم ترحيل الامام الخميني من العراق الى باريس في تسخين الصراع بين الشعب الايراني وسلطة الشاه؛ بسبب عامل البعد المكاني واختلاف النزعة الروحية وقد اثر تأثيراً قاسياً وجدانياً وعاطفياً على الشعب الايراني ويقول الامام الخميني في وصيته انا اخترت المكان.
ولاشك ان اعترف العراق المتأخر بالجمهورية الاسلامية الايرانية كان سببه الحقيقي خروج مظاهرات التأييد في النجف للجمهورية الاسلامية في ايران؛ والتي انطلق من جامع الخضراء بعد انتهاء المصلين من صلاة العشاء في مساء الجمعة؛ وهو الجامع الذي يصلي فيه الامام ابي القاسم الخوئي. وكانت برقية الاعتراف – بعد ساعة من التظاهرات- وموقعة بإسم البكر غير انه كان خارج العراق.
وقد دفع المتظاهرون ثمناً غالياً بعد القبض عليهم بعضهم اعدم والاخر رمي وراء الحدود العراقية اما الخطأ الاخر الذي وقع فيه صدام فكان جهله في البرقية الجوابية التي بعثها الامام الخميني بعد الاعتراف؛ إذ اعتبر صدام خاتمتها مدعات للشرك والكفر؛ ولم يفقه انها تعبير شائع ومتداول بين العلماء في المراسلات والتي كانت خاتمته... والسلام على من اتبع الهدى
الولايات المتحدة
عادل الياسري